أولمرت…. لماذا حرمتني من طفولتي؟!

(72.8)% من الأطفال يعملون بسبب الحاجة الاقتصادية و(77,9 %) منهم غير ملتحقين بصفوفهم الدراسية
وادي: نحن بحاجة إلى تكاتف الجهود بين الدولة والمؤسسات للقضاء على ظاهرة عمالة الأطفال.
نشوان: قانون العمل في وادٍ، والتطبيق العملي في وادٍ  أخر.

غزة-  تغريد بليحة:
 بؤسٌ واضحٌ يملأُ وجه الطفل أحمد “Ø­”, رغم صغر سنه, ونعومة أظفاره, فلم يتجاوز سنه العاشرة إلا انه يبدو كرجل كبير, تحاملت عليه الهموم, وضاقت به الدنيا ذرعا من كبر المسئولية الملقاة على عاتقه, لكنه واحد من بين المئات من أطفال فلسطين, ممن انخرطوا في سوق العمل قبل أوانهم, طفولتهم البريئة تحولت إلى أعباء شاقة, ومسئولية لا يتحملها الكثير منا, فرغم صغر سنه, وضعف جسده, وشحوب وجهه, إلا انه يأبى الرضوخ إلى وحش الفقر الذي لا يلبث ملاحقته في كل خلجة من خلجات وجهه الصغير, ويرفض قطعاً مد يد العون إلى أقرب الناس إليه, يبيع بعض المستلزمات البسيطة لأبناء جيله كالحلوى والشوكولاته, التي ذابت كذوبان وجهه من أشعة الشمس الحارقة, التي تُلقى بأشعتها الحرارية على جسده, فتشققت قدماه اللتان تبدوان كمسمارين صغيرين يحملان جسد نحيف, لا تكاد تكسوه إلا بعض الملابس المهلهلة البالية التي يرتديها. وعن هذه الظاهرة ومخاطرها وإستراتيجيتها ستصحبنا صحيفة “الكرامة” لنتعرف على أحد نماذجها الحية, وأبعادها, وأسبابها, ونتائجها..
طفولة مسلوبة
يقول أحمد والتعب يبدو واضحاً على ملامحه, والعرق ينصب من جبينه “أنا بأشتغل عشان ما عندنا حدا يصرف علينا أبوي قاعد من زمان عن الشغل, كان بيشتغل في إسرائيل وهلقيت سكرت وبطل إلنا قبضة” وبكل براءة تحدث أحمد عن يومه قائلاً:” أنا باطلع كل يوم الساعة ستة بأروح على المدرسة ولما ارجع بأكتب واجبي وبعدين بأخد صندوقي إلى بأبيع فيه وبأروح على الموقف أبيع” وعندما سألته عن عدد الشواكل التي يجنيها من وراء هذه التجارة البسيطة, التي تمثل له ولعائلته مصدر الدخل الوحيد تبسم وقال:” كل يوم بأروح ومعي عشرة شواكل وأحيانا ربنا بسهلها وبأبيع بأكثر شوي”أما عن تحصيله الدراسي قال” أنا مش كتير شاطر في المدرسة عشان مش كل يوم باروح مرات “أحياناً” بيكونش في الدار ولا شيكل فبأطلع بدري على الشغل باجيب لإخواتي حق الخبز وباكيت زعتر بنفطر مع بعض وبأطلع تاني بأكمل شغلي” ولكل عمل كما جرت العادة في أي مجتمع وحسب قانون العمل في أي دولة يكون له مواعيد حضور وانصراف حتى في الشركات والمؤسسات الأهلية والخاصة والباعة المتجولين وغيرهم أما أحمد فكان موعد الانصراف من عمله هو الوقت الذي يستطيع فيه جني عشر شواكل على الأقل حيث قال بتنهيدة طويلة” أنا باقدرش أروح إلا ومعي عشرة شيكل أقل اشي بادفع ستة شيكل حق علبة الأكوزة”شوكولاته”, والباقي باخده على الدار”¼br /> وبالطبع لم تكن هذه هي الحالة الأولى والأخيرة لظاهرة عمالة الأطفال, التي انتشرت في مجتمعنا نتيجة حالة الحصار الاقتصادي, والتجويع التي تفرضها علينا الدول الأجنبية, والحصار السياسي والطوق الأمني الذي تفرضه علينا قوات الاحتلال الإسرائيلي, ففي ظل هذه الهجمة الشرسة على أبناء شعبنا بات قطاع غزة أشبه بالسجن الكبير مع اختلاف المعايير.
الأرقام تتحدث عن الظاهرة
على أهمية المؤشرات الإحصائية وخطورتها لمسح عمالة الأطفال التي أعلن عنها ولأول مرة الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني, إلا أنها لم تكشف وتميط اللثام عن الحجم الحقيقي لواقع العمالة, فهذه الظاهرة دليل واضح على انتهاك حقوق الطفل، وعلى خلل في دور التعليم لتوفير هذه الحماية, حيث بلغ عدد الأطفال العاملين سواء بأجر أو بدون أجر(أعضاء اسر غير مدفوعي الأجر)  في الفئة العمرية من(5-17) بلغ حوالي 40300 طفل..أي ما نسبته (3,1)% من عدد الأطفال، منهم 30000 طفل من الضفة الغربية،و9400 من قطاع غزه.
وبالتالي نسبة الأطفال الذين يمضون في العمل ساعات أكثر من التي نص عليها القانون  بلغت73,2 %. وهذا يعكس مستوي الاستغلال, أما نسبة (67,4) يعملون لدى أسرهم بدون اجر، والنسبة الباقية يعملون باجر لدى الغير, أما حول التعليم فان النتائج أظهرت أن 77,9 % من الأطفال العاملين غير ملتحقين بصفوفهم الدراسية.
أسباب الظاهرة وأثرها على المجتمع
      ومن جهته عزىً أنور وادي الأخصائي النفسي والاجتماعي ببرنامج غزة للصحة النفسية أسباب انتشار هذه الظاهرة إلى عدد من الأسباب التي وجدت في قطاع غزة تربة خصبة لأن تنمو وتترعرع أولها التسرب الملحوظ من المدارس في الفترة الأخيرة بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية حيث أن ما يزيد عن 70% من معولي الأسر الغزية  توقفوا عن العمل نتيجة تردي الأوضاع السياسية التي بدورها عكست النتيجة على الحياة الاجتماعية الفلسطينية والاقتصادية فكانت هذه الأوضاع السيئة في مجملها أولى الأسباب التي تدفع عدد لا باس به من أطفالنا وأشبالنا للتسرب من المدارس إضافة إلى سوء الأوضاع الاجتماعية حيث أن ما يزيد على 40% ممن استشهدوا خلال انتفاضة الأقصى المباركة أرباب أسر فذلك أدى إلى تسرب عدد من أبنائهم من المدارس إضافة إلى عوامل الفقر والجهل لدى العديد من أبناء شعبنا الذي يدفع بعض الآباء بإجبار أبناءهم للعمل في سن مبكرة ضاربين بالقوانين التي تنظم حدود وحقوق البشر عُرض الحائط, وأشار إلى أن لهذه الظاهرة آثار سلبية على مجتمعنا, لأنها تخرج شاب لا يعرف عن أصول لعبة الحياة أي شيء, بالإضافة إلى أنه يفرغ ما تعلمه من عادات سلبية أثناء تعامله مع الآخرين, ويمارس عليهم الظلم والإجحاف الذي تعرض له منذ صغره أثناء عمله, وهذا يشكل عبء على المجتمع يُضاف إلى قائمة أعبائه, وبالتالي فالظاهرة تدفع باتجاه إعداد كوادر سيئة وليست ايجابية, لذلك فنحن بحاجة ماسة إلى تكاتف الجهود ما بين الدولة وبين مؤسسات المجتمع المدني للقضاء على هذه الآثار السلبية, وقص جذور الظاهرة قبل أن تتشعب في كل بيت من بيوتنا .
من يحمي هؤلاء؟؟
     وأوضح كارم نشوان المستشار القانوني بطاقم شؤون المرأة أن الاتفاقيات الدولية أكدت على ضرورة توفير الحماية للأطفال من الاستغلال بوجه عام، ومن الاستغلال الاقتصادي بوجه  خاص, ولكن جمعيها سعت لتوفير الحماية للأطفال من خلال عدد من الجوانب أهمها حظر الأعمال الخطرة والليلية وتحديد الحد الأدنى لسن العمل, إضافة إلى تحديد ساعات العمل, علاوة على الفحص الطبي، لمعرفة مدي أهلية الطفل للقيام بالعمل.
وأشار إلى انه بسبب تعدد الاتفاقيات المنظمة لعمل الأطفال ، وما يعنيه ذلك من عناء وتشتت علي المعنيين والمختصين بهذا الموضوع، أصدرت منظمة العمل الدولية اتفاقية الحد الأدنى لسن الاستخدام رقم (138)لسنة 1973، وحددت المعايير التالية لعمالة الأطفال, التي نصت علي تحديد الحد الأدنى لسن العمل(15) سنة في مجالات الزراعة والصناعة, والسماح للدول غير المتطورة اقتصاديا بان يكون الحد الأدنى لسن العمل(14) سنة، بالتشاور مع العمال وأصحاب العمل, إضافة إلى أن الحد الأدنى للأعمال الخطرة علي السلامة والصحة (18) سنة.
حقوق الطفل في التشريعات الفلسطينية
     ونوه نشوان إلى أن للأطفال في التشريعات الفلسطينية حقوق أولها الحق في التعليم رغم انه لم يسن قانون التعليم بعد، إلا أن السياسات المقرة من السلطة في هذا المجال، تأخذ بالتعليم المجاني والإلزامي في المرحلة الأساسية, إضافة إلى حقهم في حمايتهم من العمالة حيث نص مشروع قانون الطفل الفلسطيني على حظر عمل الأطفال قبل بلوغهم (15) سنة، وهذا يعني تقاطعه مع قانون العمل, إضافة إلى قانون العمل رقم (7) لسنة2000 الذي أجاز عمل الأحداث، وعرف الحدث بأنه “كل من بلغ الخامسة عشرة من عمره ولم يتجاوز الثامنة عشرة وذلك وفقا للمادة(1).
ويبقى السؤال مطروحاً… هل ستشرق شمس يوماً جديد على أطفال فلسطين, يستيقظون على صوت زقزقت العصافير, وينامون على أنغام الموسيقى الهادئة, ويحلمون بأحلام الطفولة الوردية؟

 

 

 

Check Also

Leader denies reports Hamas wants PLO alternative

CAIRO – A Hamas leader on Sunday played down reports that his group wanted to …