ثمانية شهور على حكومة حماس

  ديسمبر 2006
تمهيد:
تسلمت الحكومة الفلسطينية العاشرة مهام عملها بعد أداء القسم في (28/3/2006)ØŒ وذلك عقب فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في شهر كانون الثاني 2006. وطرحت الحركة خلال الحملة الانتخابية برنامجاً طموحاً بشأن الإصلاح والتغيير، واعدة بتنفيذه في الحكومة حال فوزها بالتشريعي. وقد ارتكزت مفاصل ذلك البرنامج على إصلاحات وتطويرات في المجالات الاقتصادية، والصحية، والتعليمية والأمنية… إلخ.
وفي جلسة تنصيب الحكومة، تعهد رئيس الوزراء المنصب في كلمته أمام المجلس التشريعي بإجراء سلسلة من الإصلاحات في المجالات الإدارية والمالية، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية، والترفع عن استغلال المال العام، وصياغة استراتيجية فلسطينية مجتمعية للتنمية الإدارية، ووضع آلية عمل تستند إلى مفاهيم الإدارة الحديثة، والعمل على إعطاء المرأة المكانة التي تليق بنضالاتها وتضحياتها الجسام، وضمان مشاركتها في صنع القرار في المؤسسات الوطنية، وكذلك التركيز على التنمية الإدارية والبشرية على طريق تطوير الجهاز الإداري في كافة المؤسسات والوزارات الفلسطينية.
لكن، بعد انقضاء ثمانية شهور على تنصيب هذه الحكومة، هل لمس المواطن الفلسطيني حقاً هذه الإصلاحات في المجالات المذكورة آنفاً؟ وهل تنعّم بالخير الموعود؟ وهل باشرت الحكومة العاشرة مهام عملها وتحملت مسؤولياتها في مجالات الصحة والتعليم والاقتصاد والرفاه الاجتماعي والعلاقات الخارجية؟
ما يمكن رصده بهذا الشأن هو ما أعلنه رئيس الوزراء وبعض وزرائه في خطب الجمعة، ومن على بعض المنابر الإعلامية، بأن الحكومة العاشرة قد وفرت في المال العام، وسجلت جملة من الإنجازات في المجالات الاقتصادية والصحية – خصوصاً في قضية التحويلات الخارجية – وحققت الفتوحات السياسية الخارجية!
تساؤلات مشروعة:
أمام كل هذه التصريحات والخطابات المتلاحقة لرئيس حكومة حماس ووزرائها حول كل ما حققته هذه الحكومة، يقف المرء متسائلاً عن مدى صدقية هذه الإنجازات، وهل نفذت الحكومة شيئاً مما تضمنه برنامج كتلتها أثناء الانتخابات الأخيرة، أو حتى كلمة رئيسها في جلسة التنصيب أمام المجلس التشريعي؟ وهل وفرت الحكومة الرعاية الصحية، وأقامت المستشفيات التي تخدم جميع مواطنيها؟ وهل طورت النظام التعليمي، وفتحت المدارس؟ وهل شرعت في إعادة تأهيل البنية التحتية، وشقت الطرق، وعبدت الشوارع؟ وهل دعمت قدرة النظام المؤسسي الفلسطيني، وحولت الميزانيات إلى الوزارات لتمكينها من العمل؟ وهل تحملت مسؤولية السلطة المنتخبة عن جميع مواطنيها وموظفيها في شتى المجالات؟ وهل واجهت مشكلة التدهور الاقتصادي، وطرحت لها الحلول؟ وهل وضعت حداً للفلتان الأمني الذي بات يهدد المشروع الوطني الفلسطيني برمته؟ وهل جلبت لشعبها الأمن والأمان، والثقة بالمستقبل؟
ملخص تنفيذي:
في الواقع، تبدو الصورة مختلفة تماماً وقاتمة، وصورة الأشهر الأخيرة تكشف حدة الشلل الذي دخلته مؤسسات السلطة الفلسطينية من الناحيتين الإدارية والمالية. ومع تفاقم الأزمة، فإنه يُخشى أن تَلحَق أضرارٌ كبيرة على المدى الطويل بالمؤسسة الفلسطينية، وبالشعب الفلسطيني عامة. وفيما يلي أهم ملامح المشهد الفلسطيني للأشهر الثمانية الماضية:

  • شلل مؤسسي: الشلل يطغى على العمل المؤسسي في كافة مؤسسات السلطة بسبب شح الأموال. وإدارياً، ثمة خلل كبير في العلاقة الوظيفية داخل المؤسسات.
  • انعدام الأمن: شهد العام 2006 حتى الآن 309 حالات قتل، منها 224 حالة في قطاع غزة، Ùˆ49 حالة تم فيها إتهام القوة التنفيذية التابعة لوزير الداخلية بشكل أو بآخر بأنها طرف فيها.
  • أزمة اقتصادية: تراجعت الإيرادات المحلية للسلطة بنسبة 82% مقارنة بالعام 2005ØŒ وانخفضت الإيرادات المحلية إلى ما دون النصف. والموظفون يلتحقون بطوابير الحاصلين على مساعدات وكالة الغوث، والكفاءات تفكر بالهجرة.
  • القطاع الصحي يعاني: لم تعد الخدمات الصحية أصلاً موجودة، باستثناء خدمات الطوارئ وجلسات العلاج الكيماوي والقسطرة، إن توفر العلاج. مخزون الأدوية الأساسية بدأ ينضب، وتوقفت خدمات الرعاية الصحية والتطعيم ضد الأمراض السارية، ما ينذر بعودة ظهور بعض الأمراض التي اندثرت منذ زمن مثل شلل الأطفال والحصبة. والمستشفيات في غزة تعاني أيضاً من غياب الكهرباء، وشح الوقود. وكذلك أصبح التأمين الصحي الحكومي شرطاً لتلقي خدمات الرعاية الصحية، إن وجدت.
  • التعليم: حتى 10 تشرين الثاني، تجاوز إضراب المعلمين 70 يوماً، والأطفال باتوا يواجهون الأمية والجهل والتسرب من المدارس، والمعلمون ينتظرون دفع الرواتب لتأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم.

إنجازات الحكومة العاشرة!
ما إن تولت الحكومة الفلسطينية العاشرة مهام عملها رسمياً، حتى أعلنت موقفها من مجموعة من القضايا الداخلية والخارجية، ومنها رفض احترام التزامات السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومات السابقة، وعدم الاعتراف بالاتفاقات الموقعة من منظمة التحرير الفلسطينية، ورفض مبادرة السلام العربية، وغيرها.
هذه المواقف جرت على الشعب الفلسطيني مواقف مضادة من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي تمثلت في وقف المساعدات المقدمة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، ما أدى عملياً إلى شلّ كل مؤسسات السلطة، وإيقاف العجلة الاقتصادية في فلسطين. وفيما يلي نقدم عرضاً للمشهد الفلسطيني على مختلف الصعد: المؤسسية، والاقتصادية، والصحية، والتعليمية، والسياسية، على ضوء ما أعلنته الحكومة الفلسطينية العاشرة من إنجازات:
أولاً : على الصعيد الإداري
 أدت القرارات الإدارية الصادرة عن الحكومة العاشرة إلى خلق حالة من التوتر والفوضى الإدارية داخل مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية. فقد جمدت الحكومة ومنذ اجتماعها الأول قرارات وظيفية ومالية صادرة عن الحكومة السابقة، واستعاضت عنها بقرارات جديدة راعت فيها الصبغة الحزبية والفصائلية، ما أثار الكثير من الصراعات المنصبة أساساً على فرض  النفوذ المستند إلى الانتماء، لا التنافس على أساس الكفاءة.
من جهة أخرى، تسببت عملية مركزة بعض الوظائف الأساسية في وزارات السلطة في قطاع غزة إلى شل عمل هذه الوزارات، لوجود أجهزتها وطواقمها الرئيسة في الضفة الغربية. هذه السياسة ظهرت جلية منذ اليوم الأول لتسلم الحكومة العاشرة مهامها، إذ عمدت إلى تعيين عدد أكبر من الوزراء من قطاع غزة، إضافة إلى عدد واسع من أصحاب القرار (وكلاء، مديرين عامين، نواب وزراء، مستشارين)، ما تسبب في شرذمة علاقات العمل مع طواقم الوزارات في الضفة الغربية، وتعاظم الترهل الإداري، وانخفاض قيمة العمل وإنتاجية الموظفين، وازدياد التسيب الإداري.
ومن الناحية التشغيلية، ظل طلب الحكومة من الوزارات إعداد خطط عملها حبراً على ورق، إذ لم يعتمد مجلس الوزراء أي خطة عمل، فيما لم يصدر عن مجلس الوزراء الفلسطيني أي قرار بشأن الإصلاح الإداري، باستثناء قرار إعادة تشكيل لجنة الشؤون الإدارية.
هذا الواقع أضر بمصالح الشعب الفلسطيني، وعطل الكثير من المؤسسات، ما أدى إلى حرمان المواطنين من خدمات الرعاية الصحية، والتعليم، والرعاية الاجتماعية- وهي أبسط الحقوق المكتسبة عبر المراحل السابقة- بذريعتي: توفير المال العام، وشح الموارد المالية.
ثانياً : الوضع الأمني
شهدت الأراضي الفلسطينية فلتاناً أمنياً هو الأخطر من نوعه منذ تأسيس السلطة الفلسطينية، حيث ارتفعت حالات الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، وحالات السطو، والقتل، وتهديد حياة المواطنين في الأسواق والأماكن العامة، ووصلت إلى حد قياسي حتى هذا التاريخ من العام 2006. وتشير أرقام الهيئة المستقلة لحقوق المواطن بهذا الصدد إلى أن عدد القتلى الفلسطينيين نتيجة لفوضى السلاح والتناحر السياسي والشجارات العائلية بلغ حتى مطلع شهر تشرين الثاني 309 حالات قتل، منها 224 في قطاع غزة و85 في الضفة الغربية، وذلك مقارنة بـ 176 حالة قتل خلال العام 2005، 95 في قطاع غزة و81 في الضفة الغربية أي بزيادة بنسبة 80% تقريباً. وبهذا الشأن، تجدر الإشارة إلى أن غالبية حالات القتل هذه قد حدثت نتيجة لإطلاق نار.
القوة التنفيذية
وفي قطاع غزة، تم استحداث ما سمي قوة المساندة التنفيذية (حوالي 3500 مسلح ينحدرون من كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس). هذه القوة تسببت في تفاقم الوضع الأمني وزادته سوءاً، نتيجة الاحتكاك مع الأجهزة الأمنية الرسمية، وعدم انطوائها تحت مظلة أي جهاز أمني قائم، وتلقيها التعليمات مباشرة من وزير الداخلية، وقيادتها من قبل أحد عناصر كتائب عز الدين القسام.
هذه القوة كما أسلفنا أحدثت حالة من الإرباك في الشارع الفلسطيني في قطاع غزة، وخلقت حالة من الهلع في أوساط المواطنين، وذلك لتكرار حالات إطلاقها النار في الشوارع، ما أدى إلى سقوط 49 قتيلاً، إضافة إلى عشرات الجرحى من المواطنين، في مختلف حالات الاحتكاك مع الأجهزة الأمنية الرسمية والمواطنين المحتجين على تردي الأوضاع الاقتصادية، إلى جانب عمليات تصفية بعض كوادر حركة فتح بالرصاص على أيدي مجهولين، حيث نسبت في معظمها إلى هذه القوة أو إلى عناصر من كتائب عز الدين القسام. كما أن استحداث هذه القوة أصلاً كان خطأ من جانب الحكومة العاشرة للأسباب التالية:

  • استحداث القوة التنفيذية يعد خطوة إلى الوراء في مسيرة الإصلاح الفلسطينية، إذ بدلاً من توحيد الأجهزة الأمنية تم استحداث ذراع أمنية جديدة تستند إلى قاعدة حزبية فصائلية، إذ تتلقى تعليماتها من وزير الداخلية، ومن خلفه كتائب عز الدين القسام، وترتدي زياً مختلفاً، وتتولى القيام بمجموعة من المهام دون تنسيق مع الأجهزة الأمنية الرسمية.
  • القوة تجمع فئة من الشباب الفلسطيني المناضل المعتاد على العمل المقاوم، وليس العمل الشرطي. وعليه، فإن إدخالهم إلى ميدان العمل الشرطي وتنظيم شؤون الحياة اليومية الفلسطينية يتطلب إخضاعهم إلى تدريب خاص بهذا الشأن، وهو ما لم يحدث.
  • هناك تساؤل مشروع عن العبرة من تشكيل هذا الجهاز العسكري من عناصر كتائب عز الدين القسام، وتحويلهم إلى العمل الرسمي المضبوط بقواعد العمل السياسي، وكأن الاحتلال قد رحل، والمقاومة قد انتهت!!
  • وأخيراً، لم يزد وجود هذه القوة في الشارع المواطن الفلسطيني شعوراً بالأمن والأمان.

ثالثاً : على الصعيد الاقتصادي
رفعت حركة حماس في حملتها الانتخابية شعار الإصلاح الاقتصادي في مؤسسات السلطة الفلسطينية، إذ وعد برنامجها بـ “تنفيذ برنامج طموح للإصلاح المالي والإداري في جميع مؤسسات السلطة الفلسطينية وأجهزتها، واستخدام المساعدات الدولية بالصورة المثلى التي تحقق أهداف التنمية الشاملة بعيداً عن الهدر وسوء الاستخدام، وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال ذلك”. نعم، انطلق هذا البرنامج الطموح من خلال التسبب في حرمان الموظفين الحكوميين من رواتبهم أولاً، ودعوتهم إلى العيش على “الزيت والزعتر وعشب الأرض”ØŒ وأما بشأن حسن استخدام المساعدات الخارجية، فهذا ما لم يحصل، ولم نعد نسمع سوى بحقائب يد وأكياس من الدولارات بأيدي مسئولي الحكومة وحركة حماس بقي مصيرها مجهولاً في معظم الأحيان، وبدلاً من توفير المال العام وزيادة إيرادات السلطة ومداخيلها، انخفضت هذه الإيرادات، وجفت مصادر الدخل المحلية بنسبة تجاوزت 82% مقارنة بالعام الماضي.
نضوب الإيرادات المحلية
تشير التقارير المالية، بما فيها الفلسطينية، إلى أن إجمالي إيرادات السلطة للربع الثاني من العام 2006 بلغ 67 مليون دولار أمريكي، مقارنة بـ 351 مليون دولار أمريكي للفترة نفسها من العام الماضي. وهذا مرده أمران:
أ: وقف تحويل الأموال المستحقة للسلطة لدى الجانب الإسرائيلي.
ب: توقف المواطن الفلسطيني عن دفع الضرائب المستحقة، وذلك لتردي الأحوال الاقتصادية، نتيجة لحالة الركود والكساد التجاري التي باتت تتهدد البلد، لدرجة أن بعض الموردين ممن لهم مستحقات على وزارة المالية الفلسطينية صاروا يتهربون من تحويل ضريبة القيمة المضافة (17%) إلى خزينة السلطة، بحجة أن لهم مستحقات على السلطة الفلسطينية لقاء عقود توريد أو خدمات. وبهذا الشأن، نشير إلى أن إجمالي الإيرادات الفلسطينية المحلية الشهرية العام 2005 كان 41 مليون دولار، أي 492 مليون دولار سنوياً، إلا أن هذا المبلغ انخفض إلى ما دون مبلغ 15 مليون دولار شهرياً العام 2006!
وفي ظل هذا الواقع الصعب، باتت العديد من المؤسسات الاقتصادية الفلسطينية مهددة بالانهيار، بل إن كثيراً منها انهار أو نقل نشاطه إلى الدول المجاورة (مصر والأردن)، بفعل الركود الاقتصادي والمديونية العالية على المواطنين، وبفعل الحصار الظالم المفروض على الشعب الفلسطيني، حيث أغلقت العديد من المؤسسات أبوابها، وأوقفت خطط عملها، لعدم قدرتها على التطور والاستمرار في تقديم الخدمات والنهوض بالمستوى الاقتصادي.
مساعدات عربية ودولية بمئات ملايين الدولارات
تشير كل الأرقام المتوفرة حول مبالغ المساعدات العربية، الرسمية منها والشعبية، والدولية المقدمة إلى الفلسطينيين إلى وجود زيادة فيها تفوق 30% مقارنة بالعام الماضي، حيث زاد إجمالي المبلغ المقدم للسلطة من الدول العربية والإتحاد الأوروبي حتى نهاية شهر تشرين الثاني على 800 مليون دولار أمريكي، ناهيك عن إجمالي الإيرادات المحلية التي بلغت قرابة 160 مليون دولار أمريكي للفترة من شهر مارس حتى نهاية تشرين الثاني، إضافة إلى ما يزيد على 70 مليون دولار أموال تم جلبها بالحقائب مع مسؤولي حركة حماس عبر معبر رفح من الخارج. وبالرغم من كل هذه الملايين، تشكو الحكومة من نقص في الموارد وتقف عاجزة عن الوفاء بإلتزاماتها تجاه مختلف قطاعات الشعب الفلسطيني، مما يضع جملة من التساؤلات بشأن وجود سوء في إستغلال المال العام.
وقف الرواتب وارتفاع نسبة الفقر
تفاقمت الأوضاع الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية عقب تسلم الحكومة العاشرة مهام عملها رسمياً، حيث عجزت ومنذ البداية عن تأمين متطلبات إدارة السلطة الفلسطينية من رواتب موظفين ومصروفات تشغيلية وغيرها. ويبلغ عدد الموظفين الحكوميين نحو 160 ألف موظف، تقدر فاتورة رواتبهم الشهرية بحوالي (120) مليون دولار أمريكى. وهؤلاء الموظفون لم يتلقوا رواتبهم منذ بداية شهر نيسان 2006، باستثناء سلف بسيطة دفعت على الراتب بلغت قيمتها تقريباً 23% من مستحقات الفئة التي يزيد راتبها على مبلغ 2000 شيكل، وتقريباً 60% للفئة التي يقل راتبها عن المبلغ المذكور. وجاء هذا الفرق في نسبة تغطية الرواتب لصالح أصحاب الرواتب المتدنية بفضل قرار دول الاتحاد الأوروبي صرف معونة اجتماعية للموظفين الفلسطينيين الذين لا تتجاوز رواتبهم مبلغ 2000 شيكل، على اعتبار أن هذا المبلغ هو حد الفقر طبقاً لمعايير الاتحاد الأوروبي. تجدر الإشارة إلى أن حركة السوق في الأراضي الفلسطينية المحتلة تعتمد إلى حد كبير على رواتب موظفي القطاع العام الذين يعيلون ما يقارب 1.3 مليون فلسطيني، أي ثلث المواطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي ظل هذا الوضع المتردي، كشف مسح للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بشأن الوضع الاقتصادي في الأرضي الفلسطينية للربع الثاني عن أن معدل الفقر للعام الحالي بلغ 65.8% أي أن حوالي 7 أسر من بين 10 تقع تحت خط الفقر، نتيجة للظروف الاقتصادية التي يعيشها الشعب الفلسطيني.
كما تؤكد النتائج أن51.6% من الأسر الفلسطينية تأثرت اقتصادياً بشكل مباشر وغير مباشر في ظل عدم صرف رواتب موظفي القطاع العام، 26.6% منها تأثرت أوضاعها الاقتصادية بشكل مباشر، و25% منها بشكل غير مباشر، في حين أن 57% من الأسر الفقيرة تأثرت أوضاعها الاقتصادية بشكل مباشر وغير مباشر في ظل عدم صرف رواتب الموظفين، 27.7% منها تأثرت بشكل مباشر، و29.3% منها بشكل غير مباشر.
الموظفون يلجئون إلى معونات “الأونروا”
مع تردى الأوضاع الاقتصادية للموظفين ووقوع ما يزيد على 71% منهم تحت خط الفقر (منهم 36% تحت خط الفقر المدقع) بسبب انقطاع الرواتب، لجأت طوابير الموظفين إلى تلقي المعونات الغذائية من وكالة الغوث الدولية (الأونروا). وبهذا الصدد، كشفت تقارير للأمم المتحدة أن موظفي السلطة باتوا، وبشكل متزايد، يعتمدون على معونات الأونروا وهيئات الوكالة الأخرى. وتشير هذه التقارير إلى أنه حتى نهاية شهر تموز 2006 بدأت أكثر من 4700 عائلة موظف في الضفة الغربية و25000 عائلة موظف في قطاع غزة تلقي طرود غذائية من الأونروا.
  
رابعاً: على الصعيد الصحي
مع فرض الحصار الحالي، تأثرت البرامج الصحية سلباً، ولم يعد بالإمكان الرقي بمستوى الخدمات الطبية والصحية المقدمة إلى المواطنين، وما زاد الطين بلة عدم تلقي العاملين في القطاع الصحي رواتبهم، ما دفعهم إلى الإضراب عن العمل باستثناء حالات الطوارئ، وهذا الأمر أدى بشكل مباشر إلى:

  • خفض مستوى التعاطي مع الحالات المرضية التي تصل إلى المستشفيات، خصوصاً مرضى الكلى والسكري وباقي الأمراض المزمنة.
  • وقف جميع العمليات الجراحية غير الطارئة.
  • نقص حاد في الأدوية والتجهيزات الطبية.
  • ضعف عام في الأداء الصحي، وتوقف عمل الخدمة الطبية في الريف.
  • مشاكل في نظام التطعيمات، ما يهدد بعودة ظهور بعض الأمراض التي تم القضاء عليها في المجتمع الفلسطيني، مثل الحصبة وشلل الأطفال.

وفي هذا السياق، نلاحظ أن صحة الإنسان الفلسطيني كانت من أولى النواحي الحياتية المتأثرة بالأوضاع الحالية في الأراضي الفلسطينية، خصوصاً شح الموارد المالية وإغلاق المعابر، خصوصاً مع مصر، ما أدى إلى توقف شحنات الأدوية المستوردة من خلال الشركات المصرية.
وبالرغم من صعوبة الأوضاع، وما يعانيه العاملون في القطاع الصحي، فإن موظفي وزارة الصحة تناوبوا على الدوام في المفاصل الصحية الحساسة، مثل مراكز الطوارئ في المستشفيات ودائرة العلاج التخصصي، لتوفير ما أمكن من تحويلات خارجية، حيث دأبت السلطة الفلسطينية على تحويل الحالات التي لا تستطيع المستشفيات الحكومية التعاطي معها إلى المستشفيات الفلسطينية الخاصة ومستشفيات القدس (80%)، أو المستشفيات الأردنية والمصرية والإسرائيلية (20%).
حل لجنة المساعدات الوزارية
يكفل نظام التأمين الصحي تأمين الرعاية الصحية للمواطن الفلسطيني في المستشفيات الحكومية أو المستشفيات الخاصة، وداخل الوطن وخارجه. إلا أن هذا النظام لا يغطي جملة من الحالات المرضية الخطرة، والتي تفوق كلفتها طاقة المواطن الفلسطيني، ومنها زراعة الكلى، وزراعة النخاع والكبد، وأطفال الأنابيب، والأطراف الصناعية، والكراسي المتحركة… وغيرها.
ولغرض التعامل مع هذه الحالات بشكل مرضٍ، شكلت الحكومة الفلسطينية التاسعة برئاسة أحمد قريع (أبو علاء) لجنة المساعدات الوزارية، التي كانت تقوم بدراسة ملفات هذه الحالات، وعلى ذلك الأساس تحويلها إلى المستشفيات الفلسطينية الخاصة، أو إلى خارج الوطن.
إلا أن الحكومة العاشرة قامت في أول اجتماعاتها بإلغاء هذه اللجنة، بحجة أن ما تقدمه من خدمات رعاية صحية للمواطن الفلسطيني يقع خارج نطاق نظام التأمين الصحي الحكومي. ومع حل هذه اللجنة، حرمت الحكومة الفلسطينية عملياً المئات من الحالات المرضية الفلسطينية من تلقي العلاج أو المساعدة الطبية اللازمة. وعلى حساب صحة المواطن الفلسطيني، زعمت الحكومة أنها وفرت اثني عشر (12) مليون دولار أمريكي، وهو فعلياً المبلغ الذي كانت تصرفه السلطة الوطنية الفلسطينية على علاج أمراض مواطنيها غير المغطاة ببرنامج التأمين الصحي.
نظام التأمين الصحي
التأمين شرط لتلقي أي مواطن خدمات الرعاية الصحية الحكومية دون مقابل. لكن، هناك كثير من المواطنين لا يستطيعون دفع رسوم التأمين، وعليه كان يستعاض عن التأمين الحكومي بتأمين الانتفاضة أو تأمين النقابات العمالية. لكن، مع تسلم الحكومة العاشرة مهامها، عمدت إلى إلغاء تأمين الانتفاضة كلياً، وكذلك حصرت استفادة المواطن من تأمين النقابات العمالية بتلقيه الرعاية الصحية داخل المستشفيات الحكومية فقط. هذا القرار أثر بشكل مباشر على ما يزيد على 100000 أسرة فلسطينية كانت تستفيد من النوعين المذكورين من التأمين أعلاه.
إلغاء نظام الاستثناء
في السابق، كان هناك الكثير من الاستثناءات الممنوحة للمواطنين، خصوصاً في قطاع غزة ومخيمات الشتات، بشأن تلقي العلاج في الخارج. لكن، بعد تولي الحكومة التاسعة برئاسة قريع مهامها وتشكيل لجنة المساعدات الوزارية، تم عملياً إلغاء نظام الاستثناء، وبحث كل الحالات التي لا ينطبق عليها نظام التأمين الصحي في إطار لجنة المساعدات الوزارية التي عملت على تأمين العلاج اللازم. من جهة أخرى، تم  إلغاء نظام استثناء الوزير من قبل الدكتور غسان الخطيب عندما كان قائماً بأعمال وزارة الصحة خلال فترة الحكومة السابقة. وعليه، لا يمكن لوزير الصحة الحالي أو حتى رئيس الوزراء القول إنه ألغى نظام الاستثناء، ووفر الملايين في المجال الصحي.
خامساً: على الصعيد التعليمي
انقضى شهران وعشرة أيام دون انتظام العام الدراسي في فلسطين، وهذا مرده عدم تلقي المعلمين رواتبهم، ما دفعهم إلى خوض إضراب مفتوح عن العمل.
وفي هذا السياق، لوحظ عدم وجود أدنى شعور بالمسؤولية من جهة الحكومة عن هذه المشكلة، التي تسببت فيها أصلاً، وذلك من خلال عدم تحملها مسؤولياتها التعاقدية تجاه قطاع الموظفين، بمن فيهم المعلمون، وصرف رواتبهم ليتمكنوا، ولو على الأقل، من الوصول إلى المدارس.
وتسبب إضراب المعلمين في عدم التحاق أكثر من مليون طفل فلسطيني بمدارسهم، الأمر الذي حرمهم من حقوقهم. كما أدى توقف دفع رواتب العاملين في المجال التعليمي إلى انضمام الآلاف من المدرسين والعاملين في الحقل التعليمي إلى جيش الفقراء في فلسطين، الأمر الذي أدى إلى:

  • حرمان ما يزيد على 50000 أسرة فلسطينية من مصدر دخلها الشهري، حيث عدد المعلمين في المدارس الفلسطينية للعام الحالي يزيد على 48282 معلماً (حكومة ووكالة غوث)ØŒ إضافة إلى 3871 آخرين يعملون في رياض الأطفال.
  • عدم التحاق أكثر من مليون طفل فلسطيني بمدارسهم لأكثر من شهرين (أي أكثر من ربع العام الدراسي، مع العلم أن لوائح وزارة التربية والتعليم تنص على رسوب كل طالب يتغيب لأكثر من ربع العام الدراسي مهما كانت الأسباب).
  • هذه المشكلة من شأنها التأثير بشكل مباشر على طلبة الثانوية العامة، إذ توجد تواريخ محددة لإنهاء العام الدراسي بالنسبة لهم، ليتسنى لهم الالتحاق بالجامعات.
  • وفي الجانب الأكاديمي، ازداد التركيز على مبحث التربية الإسلامية، على حساب مباحث أخرى مثل الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية وغيرها من المواد المفيدة للطالب في المستقبل.
  • تسرب أعداد كبيرة من الطلبة سعياً لتأمين لقمة العيش لأسرهم بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية.
  • وأخيراً، جاء الحل لكل مشاكل التعليم في فلسطين بجعل العطلة الأسبوعية يومي الخميس والجمعة!

وفي مواجهة جملة المشاكل أعلاه، بدأ أولياء أمور الطلبة بالتذمر والبحث عن حلول لإنقاذ مصير أبنائهم التعليمي، وهو واجب تتحمله وزارة التربية والتعليم، ومن خلفها الحكومة الفلسطينية التي توجب عليها وضع مصلحة الوطن فوق كل المصالح الفئوية.
مديرون جدد للمديريات والمدارس
شهدت العديد من مديريات التربية والتعليم والمدارس في المحافظات تعيين مديرين جدد، وذلك دون استناد إلى الأسس والمعايير المعمول بها داخل حقل التربية والتعليم، ودون مراعاة للقوانين، إذ تم تجاوز التسلسل الإداري والدرجة لهذه الوظيفة، ما خلق حالة من الفوضى والإرباك في أوساط موظفي المديريات والمعلمين والأهالي. وكانت هذه التعيينات في مجملها تستند إلى الولاء الفصائلي، حيث تم تعيين مدرسين– دون وجه حق– مديرين لمدارس، وتم تعيين مديري مدارس وموظفين عاديين مديرين لمديريات التربية في المحافظات، وهو ما حصل في سلفيت، وقباطية، وبيت لحم، وطولكرم، والكثير من مدارس المحافظات.
سادساً: على الصعيد الإعلامي
في السابق، كان الإعلام الفلسطيني يعمل على فضح ممارسات الاحتلال من قتل وتدمير واستيطان وغير ذلك، وكان المتحدث الإعلامي الفلسطيني حريصاً دائماً على كشف هذه الممارسات العدوانية بحق الشعب الفلسطيني.
لكن، مع تسلم الحكومة العاشرة برئاسة حماس مهام عملها وبدء سلسلة المناكفات الداخلية الفلسطينية، انحرف الإعلام الفلسطيني عن بوصلته المعهودة، إذ بدأ التركيز على الخلافات الفلسطينية الداخلية، وهذا انعكس سلباً على الأداء الإعلامي الفلسطيني من حيث: ¼br />

  • أصبح الخلاف الفلسطيني– الفلسطيني جوهر الخطاب الإعلامي الفلسطيني.
  • تراجع الاهتمام بقضايا الأسرى والجدار والمعاناة اليومية للشعب الفلسطيني.
  • ظهور نزعة تحريضية بحق الكثير من المؤسسات الإعلامية الفلسطينية، ومنها تلفزيون فلسطين، وبعض الصحف، وأصحاب الأقلام في الصحف اليومية، كما جاء على لسان رئيس الوزراء إسماعيل هنية في أحد خطاباته.
  • لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تعرض تلفزيون فلسطين للاعتداء، وتعرضت الكثير من المؤسسات الإعلامية للتخريب، وتم خطف وتهديد العديد من الصحافيين والإعلاميين.
  • هذا النهج الإعلامي الجديد أساء إلى صورة النضال الفلسطيني، وأضفى عليه صورة التناحر الحزبي بعيداً عن المصلحة الوطنية العليا.

سابعاً: على الصعيد السياسي
وعلى صعيد العلاقات الخارجية، تراجع دور وزارة الشؤون الخارجية الفلسطينية في حمل الصوت الفلسطيني إلى العالم الخارجي، وذلك بسبب رفض دول العالم إستقبال وزير الشؤون الخارجية الفلسطينية، بإستثناء بعض الدول العربية والإسلامية. وفي هذا السياق، إنحصرت علاقات حكومة حماس الخارجية حتى الآن في مجموعة من الزيارات أداها وزير الشؤون الخارجية إلى سوريا وإيران وبعض الدول العربية والإسلامية ممن لا تتمتع بالثقل السياسي الإقليمي والدولي الذي يؤهلها للعب دور فاعل في إسناد الشعب الفلسطيني ودفع قضيته إلى الأمام. ناهيك عن أن بعض هذه الدول تعاني من أزمات ومشاكل كبيرة على المستويين الإقليمي والدولي، وما إستخدامها للورقة الفلسطينية إلا أداة ضغط لتخفيف الضغوط الدولية عليها.
ولم يقتصر الأمر على رفض التعاطي مع وزراء حكومة حماس من بعض الدول الأجنبية، بل أن الكثير من دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا واستراليا ومعظم دول الإتحاد الأوروبي جمدت علاقاتها مع مؤسسات السلطة الفلسطينية، ومنعت ممثليها في الأراضي الفلسطينية من التواصل مع مسؤولي حكومة حماس، كما منعت مسؤولي حكومة حماس من زيارتها، الأمر الذي حرم الشعب الفلسطيني من إيصال صوته إلى العالم الخارجي.
وعلى صعيد البرامج السياسية، فإن منظمة التحرير الفلسطينية التي تبنت برنامج النقاط العشر وبرنامج الدولة الفلسطينية المستقلة في سبعينيات القرن الماضي لم تتخلَّ إلى اليوم عن مقاومة المشاريع الإسرائيلية بكل الوسائل المتاحة لها، بما في ذلك التضحيات والعمل الجماهيري والدبلوماسي والعلاقات الطيبة مع المجتمع الدولي والمحيط العربي. إن برنامج المنظمة هو البرنامج الواقعي الذي يلقى قبولاً دولياً مناسباً يمكن البناء عليه، إذ إن العودة الآن إلى نقطة الصفر في هذا البرنامج – كما يطرح برنامج حماس – يعيد مسيرة النضال الوطني الفلسطيني 40 عاماً إلى الوراء بذل فيها شعبنا الغالي والنفيس لتحقيق هذا الإعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية وبعدالة القضية الفلسطينية.
الخاتمة:
وأخيراً، يمكننا تلخيص مسيرة الأشهر الثمانية للحكومة الفلسطينية العاشرة في جملة من “الإنجازات” نوردها أدناه:

  • كسب معاداة المجتمع الدولي، وعزل القض

Check Also

Leader denies reports Hamas wants PLO alternative

CAIRO – A Hamas leader on Sunday played down reports that his group wanted to …